فصل: الثّالث: الرّدّة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


سبي

التّعريف

1 - السّبي والسّباء لغةً‏:‏ الأسر، يقال‏:‏ سبى العدوّ وغيره سبياً وسباءً‏:‏ إذا أسره، فهو سبيّ على وزن فعيل للذّكر‏.‏

والأنثى سبي وسبيّة ومسبيّة، والنّسوة سبايا، وللغلام سبي ومسبيّ‏.‏

أمّا اصطلاحاً‏:‏ فالفقهاء في الغالب يخصّون السّبي بالنّساء والأطفال، والأسر بالرّجال‏.‏

ففي الأحكام السّلطانيّة‏:‏ الغنيمة تشتمل على أقسام‏:‏ أسرى، وسبي، وأرضين، وأموال، فأمّا الأسرى فهم الرّجال المقاتلون من الكفّار إذا ظفر المسلمون بهم أحياءً، وأمّا السّبي فهم النّساء والأطفال‏.‏ وفي مغني المحتاج‏:‏ المراد بالسّبي‏:‏ النّساء والولدان‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الرّهينة‏:‏

2 - الرّهينة واحدة الرّهائن، وهي كلّ ما احتبس بشيء، والسّبي والرّهينة كلاهما محتبس إلاّ أنّ السّبي يتعيّن أن يكون إنساناً وهو محتبس بذاته، أمّا الرّهينة فلغيرها للوفاء بالتزام‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ أسرى ف /3‏)‏

ب - الحبس‏:‏

3 - الحبس ضدّ التّخلية، والمحبوس‏:‏ الممنوع عن التّوجّه حيث يشاء، فالحبس أعمّ من السّبي‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ أسرى ف /4‏)‏‏.‏

الحكم التّكليفيّ

4 - السّبي مشروع لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ‏}‏ وقد سبى النّبيّ صلى الله عليه وسلم وقسّم السّبي بين المجاهدين كسبي بني المصطلق وهوازن‏.‏

وسبى الصّحابة من بعده، كما فعل أبو بكر رضي الله تعالى عنه حين استرقّ نساء بني حنيفة وذراريّهم، وسبى عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه بني ناجية‏.‏

وكان السّبي موجوداً قبل الإسلام، فقيّده الإسلام بشروط، وخصّه بحالة الحرب ونحوها على ما سيأتي في أسبابه‏.‏

أسباب السّبي

الأوّل‏:‏ القتال

5 - شرع القتال في سبيل اللّه تعالى لإعلاء دين الحقّ وكسر شوكة الأعداء‏.‏

والأصل أنّ من لم يشارك في القتال فلا يقتل، ولذلك يمنع التّعرّض للنّساء والأطفال وأمثالهم من العجزة الّذين لا يشاركون في القتال لنهي النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن قتل النّساء والصّبيان‏.‏ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً ولا امرأةً»‏.‏

ويستثنى من هذا جواز قتل من يشارك في القتال من النّساء والصّبيان أو يحرّض على القتال، وهذا في الجملة وينظر تفصيله في ‏(‏جهاد ف /29‏)‏‏.‏

وإذا أخذ المسلمون الغنائم فإنّ من يوجد فيها من النّساء والأطفال يعتبر سبياً‏.‏

الثّاني‏:‏ النّزول على حكم رجل

6 - لو حاصر المسلمون حصناً للعدوّ، وطلب أهل الحصن النّزول على حكم فلان وارتضوا حكم أحد المسلمين فيهم، فله الحكم بسبي نسائهم وذراريّهم‏.‏

وقد ورد «أنّ بني قريظة لمّا حاصرهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم خمسًا وعشرين ليلةً نزلوا على حكم سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه، فحكم سعد أن تقتّل رجالهم وتقسّم أموالهم وتسبى نساؤهم وذراريّهم، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ لقد حكمت بما حكم الملك»‏.‏ وينظر تفصيل ذلك في ‏(‏جهاد ف /24‏)‏‏.‏

الثّالث‏:‏ الرّدّة

7 - يرى جمهور الفقهاء - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - أنّ المرتدّة إن استتيبت ولم تتب فإنّها تقتل، لما روي «أنّ امرأةً يقال لها أمّ رومان ارتدّت عن الإسلام، فبلغ أمرها النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأمر أن تستتاب فإن تابت وإلاّ قتلت»‏.‏

ولأنّها شخص مكلّف بدّل دين الحقّ بالباطل، فيقتل كالرّجل‏.‏

8- وعند الحنفيّة تحبس إلى أن تتوب - إلاّ في رواية عن أبي حنيفة - على ما سيأتي‏.‏ وروي عن عليّ بن أبي طالب والحسن وقتادة وعمر بن عبد العزيز أنّ المرأة إذا ارتدّت فإنّها تسبى ولا تقتل، لأنّ أبا بكر رضي الله تعالى عنه استرقّ نساء بني حنيفة وذراريّهم، وأعطى عليّاً منهم امرأةً فولدت له محمّد بن الحنفيّة، وكان هذا بمحضر من الصّحابة، وهو رواية عن أبي حنيفة في النّوادر قال‏:‏ إنّها تسترقّ ولو كانت في دار الإسلام، قيل‏:‏ لو أفتى بهذه الرّواية لا بأس به فيمن كانت ذات زوج حسماً لتوصّلها للفرقة بالرّدّة‏.‏

وعند الحنفيّة - غير رواية أبي حنيفة - لا تسبى المرأة إلاّ إذا لحقت بدار الحرب بعد ارتدادها، فحينئذ يجوز سباؤها‏.‏

9- أمّا ذرّيّة المرتدّ فمن ولد بعد ردّة أبويه فإنّه محكوم بكفره، لأنّه ولد بين أبوين كافرين، ويجوز سباؤه حينئذ لأنّه ليس بمرتدّ، نصّ على ذلك أحمد، وهو ظاهر كلام الخرقيّ وأبي بكر، وهو قول للشّافعيّة‏.‏

وقال ابن قدامة‏:‏ ويحتمل أن لا يجوز استرقاقهم، لأنّ آباءهم لا يجوز استرقاقهم، لأنّهم لا يقرّون بدفع الجزية فلا يقرّون بالاسترقاق‏.‏

وعند الحنفيّة يسبى من ولد في دار الحرب أو لحق أبواه بدار الحرب وهو معهما، وقال المالكيّة‏:‏ إذا قتل المرتدّ بقي ولده مسلمًا سواء ولد قبل الرّدّة أو بعدها‏.‏

10 - ومتى ارتدّ أهل بلد وجرت فيه أحكامهم صار دار حرب، فإذا غلب المسلمون عليهم كان لهم سبي نسائهم وذراريّهم والّذين ولدوا بعد الرّدّة، كما سبى أبو بكر رضي الله تعالى عنه ذراريّ من ارتدّ من العرب من بني حنيفة وغيرهم، وكما سبى عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه بني ناجية موافقةً لأبي بكر، وهذا عند الحنفيّة والحنابلة وأصبغ من المالكيّة، وعند الشّافعيّة والمالكيّة - غير أصبغ - لا تسبى نساؤهم ولا ذراريّهم‏.‏

الرّابع‏:‏ نقض العهد

11 - أهل الذّمّة آمنون على أنفسهم بسبب العهد، فإذا نقضوا العهد قاتلهم الإمام وأسر رجالهم، أمّا نساؤهم وذراريّهم فلا يسبّون لأنّ أمانهم لم يبطل بنقض العهد، وهذا عند الحنفيّة والحنابلة، وهو الأصحّ عند الشّافعيّة وأشهب من المالكيّة‏.‏

وعند المالكيّة غير أشهب ومقابل الأصحّ عند الشّافعيّة‏:‏ ينتقض عهد الجميع وتسبى النّساء والذّراريّ، قال المالكيّة‏:‏ هذا الّذي خالفت فيه سيرة عمر سيرة أبي بكر رضي الله تعالى عنهما في الّذين ارتدّوا من العرب، سار فيهم أبو بكر سيرة النّاقضين فسبى النّساء والصّغار وجرت المقاسم في أموالهم‏.‏ فلمّا ولي عمر بعده نقض ذلك وسار فيهم سيرة المرتدّين، أخرجهم من الرّقّ وردّهم إلى عشائرهم وإلى الجزية‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ من ولد بعد نقض العهد فإنّه يسترقّ ويسبى‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في ‏(‏أهل الذّمّة‏)‏‏.‏

التّصرّف في السّبي

12 - يعتبر السّبي ‏"‏ النّساء والذّراريّ ‏"‏ من الغنائم، والأصل في أسرى الغنائم أنّ الإمام مخيّر فيها بما هو أصلح للمسلمين من قتل أو منّ أو فداء أو استرقاق، إلاّ أنّ السّبي يختلف في بعض أحكامه عن الأسرى من الرّجال المقاتلين وبيان ذلك فيما يلي‏:‏

أ - حكم قتلهم‏:‏

13 - إذا سبي النّساء والصّبيان فلا يجوز قتلهم، لأنّه لا يجوز قتلهم أثناء القتال فلا يجوز قتلهم بعد السّبي، وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا تقتلوا امرأةً ولا وليداً»‏.‏ وروي «أنّه عليه الصلاة والسلام رأى في بعض غزواته امرأةً مقتولةً فأنكر ذلك، وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ هاه ما أراها قاتلت فلم قتلت ‏؟‏ ونهى عن قتل النّساء والصّبيان»‏.‏ ولأنّ هؤلاء ليسوا من أهل القتال فلا يقتلون، وهذا عامّ في جميع السّبي عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وهو الحكم عند الشّافعيّة إن كان السّبي أهل كتاب، وفي الوثنيّات عندهم خلاف‏.‏

14 - والحكم بعدم قتل النّساء والصّبيان مقيّد بما إذا لم يشتركوا في القتال فإن كانوا قد اشتركوا في القتال، وحملوا السّلاح وقاتلوا، جاز قتلهم بعد السّبي، وقد «قتل النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم قريظة امرأةً ألقت رحىً على خلّاد بن سويد»‏.‏

وقد جاء عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال‏:‏ «مرّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم بامرأة مقتولة يوم الخندق فقال‏:‏ من قتل هذه ‏؟‏ قال رجل‏:‏ أنا يا رسول اللّه، قال‏:‏ ولم ‏؟‏ قال‏:‏ نازعتني سيفي‏.‏ قال‏:‏ فسكت»‏.‏

لكن قال الحنفيّة‏:‏ لا يقتل الصّبيّ ولو شارك في القتال لأنّه ليس من أهل العقوبة، إلاّ إذا كان ملكاً فإنّه يجوز قتله، لأنّ في قتل الملك كسر شوكة الأعداء، كما يجوز عند الحنفيّة قتل المرأة إذا كانت ملكةً ولو لم تقاتل‏.‏

ب - المفاداة‏:‏

15 - جاء في الدّرّ المختار من كتب الحنفيّة‏:‏ لا يفادى بنساء وصبيان إلاّ لضرورة، لأنّ الصّبيان يبلغون فيقاتلون والنّساء يلدن فيكثر نسل الكفّار، لكن قال ابن عابدين‏:‏ لعلّ المنع فيما إذا كان البدل مالاً وإلاّ فقد جوّزوا دفع أسراهم فداءً لأسرانا، مع أنّهم إذا ذهبوا إلى دارهم يتناسلون‏.‏

وقال محمّد بن الحسن‏:‏ الصّبيان من المشركين إذا سبوا ومعهم الآباء والأمّهات فلا بأس بالمفاداة بهم، وأمّا إذا سبي الصّبيّ وحده، أو خرج إلى دار الإسلام فلا تجوز المفاداة به بعد ذلك، وكذلك إن قسمت الغنيمة في دار الحرب فوقع في سهم رجل أو بيعت الغنائم، فقد صار الصّبيّ محكوماً له بالإسلام تبعاً لمن تعيّن ملكه فيه بالقسم أو الشّراء‏.‏

ثمّ في المفاداة يشترط رضا أهل العسكر، فلو أبوا ذلك ليس للأمير أن يفاديهم‏.‏

16 - وأجاز المالكيّة الفداء مطلقاً سواء أكان بمال أم بأسرى‏.‏

فإن كان الفداء بمال يأخذه الإمام من الكفّار ويضمّه للغنيمة‏.‏

وإن حصل الفداء بردّ الأسرى فيحسب القدر الّذي يفكّ به الأسرى من عندهم من الخمس‏.‏

17 - والأصل عند الشّافعيّة على ما جاء في مغني المحتاج أنّ الإمام غير مخيّر في السّبي، ويتعيّن الرّقّ فيهم بمجرّد السّبي وبذلك يمتنع الفداء‏.‏

لكن قال الماورديّ في الأحكام السّلطانيّة‏:‏ إن فادى السّبي على مال جاز، لأنّ هذا الفداء بيع ويكون مال فدائهم مغنوماً مكانهم، ولا يلزمه استطابة نفوس الغانمين، وإن أراد أن يفادى بهم عن أسرى المسلمين في أيدي قومهم عوّض الغانمين عنهم من سهم المصالح‏.‏

18 - والأصل كذلك عند الحنابلة أنّ النّساء والصّبيان يصيرون رقيقاً بمجرّد سبيهم، قال ابن قدامة‏:‏ النّساء والصّبيان يصيرون رقيقاً بالسّبي، ثمّ قال‏:‏ ومنع أحمد من فداء النّساء بالمال لأنّ في بقائهنّ تعريضاً لهنّ للإسلام لبقائهنّ عند المسلمين، وجوّز أن يفادى بهنّ أسارى المسلمين، لأنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم فادى بالمرأة الّتي أخذها من سلمة بن الأكوع»‏.‏ ولأنّ في ذلك استنقاذ مسلم متحقّق إسلامه فاحتمل تفويت ما يرجى من إسلامها المظنون، ولا يلزم من ذلك احتمال فواتها لتحصيل المال، فأمّا الصّبيان فقال أحمد‏:‏ لا يفادى بهم، وذلك لأنّ الصّبيّ يصير مسلماً بإسلام سابيه فلا يجوز ردّه إلى المشركين، وإن كان الصّبيّ غير محكوم بإسلامه كالّذي سبي مع أبويه لم يجز فداؤه بمال، وهل يجوز فداؤه بمسلم ‏؟‏ يحتمل وجهين‏.‏

وفي الأحكام السّلطانيّة لأبي يعلى‏:‏ وإنّما لم يجز الفداء لأنّ حقّهم ثابت في السّبي فلم تجر المعاوضة عليه، ولأنّ من أصلنا أنّه لا يجوز بيع السّبي من أهل الذّمّة، فالفداء كذلك لأنّه معاوضة‏.‏ وإذا فادى الإمام بالأسارى عوّض الغانمين من سهم المصالح‏.‏

ج - المنّ‏:‏

19 - اختلف الفقهاء في حكم المنّ على السّبي من النّساء والصّبيان، فمنعه الحنفيّة وهو ما جاء في أغلب كتب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏

ففي شرّاح خليل من كتب المالكيّة كالدّسوقيّ وغيره أنّه ليس للإمام في النّساء والذّراريّ إلاّ الاسترقاق أو الفداء، لكن قال ابن جزيّ‏:‏ وأمّا النّساء والصّبيان فيخيّر الإمام فيهم بين المنّ والفداء والاسترقاق، ومثل ذلك جاء في حاشية العدويّ على كفاية الطّالب الرّبّانيّ‏.‏ وفي كتب الشّافعيّة أنّ نساء الكفّار وصبيانهم إذا أسروا رقّوا، وأنّه لا يجوز فداؤهم أو المنّ عليهم‏.‏

لكن قال الماورديّ‏:‏ إن أراد الإمام المنّ عليهم لم يجز إلاّ باستطابة نفوس الغانمين عنهم، إمّا بالعفو عن حقوقهم منهم، وإمّا بمال يعوّضهم عنهم، فإن كان المنّ عليهم لمصلحة عامّة جاز أن يعوّضهم من سهم المصالح،وإن كان لأمر يخصّه عاوض عنهم من مال نفسه‏.‏

ومن امتنع من الغانمين لم يستنزل عنه إجباراً حتّى يرضى، وخالف ذلك حكم الأسرى ففيهم لا يلزمه استطابة نفوس الغانمين لأنّ قتل الرّجال مباح وقتل السّبي محظور، فصار السّبي مالًا مغنومًا لا يستنزلون عنه إلاّ باستطابة النّفوس‏.‏ فإنّ «هوازن لمّا سبيت وغنمت أموالها بحنين استعطفت النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأتاه وفودها وقد فرّق الأموال وقسّم السّبي فذكّروه حرمة رضاعه فيهم من لبن حليمة وطلبوا أن يردّ عليهم نساءهم وأبناءهم فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ أما ما كان لي ولبني عبد المطّلب فهو لكم وردّت قريش والأنصار من كان عندهم وأبى غيرهم، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أمّا من تمسّك بحقّه من هذا السّبي فله بكلّ إنسان ستّ فرائض»‏.‏ فردّوا إلى النّاس أبناءهم ونساءهم فردّوا»‏.‏

وفي كتب الحنابلة كذلك ما يفيد عدم جواز المنّ على النّساء والصّبيان قال ابن قدامة‏:‏ الإمام لا يملك المنّ على الذّرّيّة إذا سبوا، ومن سبي فإنّه يصير رقيقاً بنفس السّبي ومثل ذلك في غيره من الكتب‏.‏

لكن قال أبو يعلى‏:‏ إن أراد الإمام المنّ على السّبي لم يجز إلاّ باستطابة نفوس الغانمين بالعفو عنهم أو بمال يعوّضهم من سهم المصالح، ومن امتنع من الغانمين عن ترك حقّه لم يجبر‏.‏

د - الاسترقاق‏:‏

20 - إذا سبي النّساء والصّبيان صاروا رقيقاً بنفس السّبي كما يقول الشّافعيّة والحنابلة، وذهب المالكيّة والحنفيّة إلى أنّ الإمام في السّبي بالخيار بين المفاداة أو الاسترقاق‏.‏

ويعرف ذلك بالقول أو بالتّصرّف فيهم كما يتصرّف في الرّقيق أو بدلالة الحال‏.‏

التّصرّف في السّبي بالبيع وغيره

21 - السّبي يعتبر من الغنائم والإمام مخيّر في التّصرّف فيه على ما سبق بيانه من جواز المنّ أو الفداء أو الاسترقاق على الخلاف الّذي سبق‏.‏

والسّبي بعد القسمة يكون ملكاً لمن وقع في سهمه يجوز له التّصرّف فيه بالبيع وغيره‏.‏

أمّا قبل القسمة فالحقّ في ذلك للإمام، والإمام منوط به التّصرّف بما فيه الأصلح للغانمين‏.‏ وينظر مصطلح ‏(‏غنيمة‏)‏‏.‏

التّفريق بين الأمّ ووليدها المسبيّين

22 - لا يجوز التّفرقة بين الأمّ ووليدها المسبيّين في البيع أو في قسمة الغنيمة، والأصل فيه ما روي عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «لا توله والدة عن ولدها»‏.‏ والتّفريق بينهما توليه فكان منهيّاً عنه، وروى أبو أيّوب قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «من فرّق بين الوالدة وولدها فرّق اللّه بينه وبين أحبّته يوم القيامة»‏.‏ وقد «رأى النّبيّ صلى الله عليه وسلم امرأةً والهةً في السّبي فسأل عن شأنها فقيل قد بيع ولدها فأمر بالرّدّ»‏.‏ وهذا باتّفاق‏.‏

وفي الموضوع تفصيل من حيث شمول التّفريق لغير الأمّ من ذوي الأرحام، أو لا، وهل يختصّ التّفريق بكون الولد صغيرًا أو يشمل ذلك حالة الكبر أيضاً‏.‏

وينظر هذا التّفصيل في‏:‏ ‏(‏بيع منهيّ عنه ف /101، ورقّ ف /39‏)‏‏.‏

أثر السّبي في الحكم بإسلام المسبيّ

23 - إذا سبي من لم يبلغ من أولاد الكفّار صار رقيقاً على ما تقدّم، أمّا الحكم بإسلام الصّغير المسبيّ فله ثلاثة أحوال‏:‏

الأوّل‏:‏ أن يسبى منفرداً عن أبويه فإنّه يصير مسلماً، لأنّ الدّين إنّما يثبت له تبعاً، وقد انقطعت تبعيّته لأبويه لانقطاعه عنهما وإخراجه عن دارهما، ومصيره إلى دار الإسلام تبعاً لسابيه المسلم فكان تابعاً له في دينه، وهو قول الحنفيّة والحنابلة ورواية أهل المدينة عن مالك، ومقابل ظاهر المذهب عند الشّافعيّة‏.‏

وعند ابن القاسم من المالكيّة وهو ظاهر المذهب عند الشّافعيّة أنّه باق على كفره تبعاً لأبيه، ولا يتبع السّابي في الإسلام، لأنّ يد السّابي يد ملك فلا توجب إسلامه كيد المشتري‏.‏

الثّاني‏:‏ أن يسبى مع أحد أبويه، فعند جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة - يعتبر كافراً تبعاً لأبيه أو أمّه في الكفر، لأنّه لم ينفرد عن أحد أبويه فلم يحكم بإسلامه ولقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «كلّ مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه»‏.‏

وعند الحنابلة يحكم بإسلامه، وبهذا قال الأوزاعيّ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «كلّ مولود يولد على الفطرة»، الحديث، فمفهومه أنّه لا يتبع أحدهما، لأنّ الحكم متى علّق بشيئين لا يثبت بأحدهما، ولأنّه يتبع سابيه منفرداً فيتبعه مع أحد أبويه قياساً على ما لو أسلم أحد الأبوين‏.‏

الثّالث‏:‏ أن يسبى مع أبويه فإنّه يكون على دينهما لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه»، وهما معه وملك السّابي له لا يمنع اتّباعه لأبويه بدليل ما لو ولد في ملكه من عبده وأمته الكافرين‏.‏

وإن أسلم أحد الأبوين فهو مسلم تبعاً له لأنّ الإسلام أعلى،فكان إلحاقه بالمسلم منهما أولى‏.‏ وعند المالكيّة هو على دين أبيه ولا عبرة بإسلام أمّه أو جدّه‏.‏

وينظر تفصيله في بحث‏:‏ ‏(‏إسلام ف /25، 4 /270‏)‏‏.‏

أثر السّبي في النّكاح

سبي المتزوّجات من الكفّار لا يخلو من ثلاثة أحوال

24 - أحدها‏:‏ أن يسبى الزّوجان معاً، فعند المالكيّة والشّافعيّة ينفسخ نكاحهما، وهو قول الثّوريّ واللّيث وأبي ثور، كما روى أبو سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال‏:‏ «أصابوا سبياً يوم أوطاس لهنّ أزواج فتخوّفوا فأنزلت هذه الآية ‏{‏وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏}‏» فحرّم المتزوّجات إلاّ المملوكات بالسّبي فدلّ على ارتفاع النّكاح، قال الشّافعيّ‏:‏ «سبى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أوطاس وبني المصطلق وقسّم الفيء، وأمر ألاّ توطأ حامل حتّى تضع، ولا حائل حتّى تحيض، ولم يسأل عن ذات زوج ولا غيرها»‏.‏

قال الشّافعيّة‏:‏ وإن كان الزّوجان مملوكين فسبيا فلا نصّ فيه، والّذي يقتضيه قياس المذهب أن لا ينفسخ النّكاح، لأنّه لم يحدث بالسّبي رقّ، وإنّما حدث انتقال الملك فلم ينفسخ النّكاح كما لو انتقل الملك فيهما بالبيع، قال أبو إسحاق الشّيرازيّ‏:‏ ومن أصحابنا من قال‏:‏ ينفسخ النّكاح، لأنّه حدث سبي يوجب الاسترقاق وإن صادف رقّاً كما أنّ الزّنا يوجب الحدّ وإن صادف حدّاً‏.‏

وعند الحنفيّة والحنابلة لا ينفسخ نكاحهما بالسّبي معاً‏.‏

قال الحنفيّة‏:‏ لعدم اختلاف الدّارين، فسبب البينونة هو تباين الدّارين دون السّبي، لأنّ مصالح النّكاح لا تحصل مع التّباين حقيقةً وحكماً، لأنّ مصالحه إنّما تحصل بالاجتماع، والتّباين مانع منه،أمّا السّبي فإنّه يقتضي ملك الرّقبة وذلك لا ينافي النّكاح ابتداءً فكذا بقاءً‏.‏ وقال الحنابلة‏:‏ إنّ الرّقّ معنىً لا يمنع ابتداء النّكاح فلا يقطع استدامته كالعتق، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏}‏، نزلت في سبايا أوطاس، وكانوا أخذوا النّساء دون أزواجهنّ، وعموم الآية مخصوص بالمملوكة المزوّجة في دار الإسلام فيخصّ منه محلّ النّزاع بالقياس عليه‏.‏

25 - الثّاني‏:‏ أن تسبى المرأة وحدها فينفسخ النّكاح بلا خلاف عند الفقهاء، والآية دالّة عليه، وكذلك ما رواه أبو سعيد الخدريّ وهو الحديث السّابق، وتعليل الفسخ وسببه عند جمهور الفقهاء هو السّبي، أمّا عند الحنفيّة فهو اختلاف الدّار‏.‏

26 - الثّالث‏:‏ أن يسبى الرّجل وحده فعند جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وأبي الخطّاب من الحنابلة - ينفسخ النّكاح لاختلاف الدّار عند الحنفيّة،وللسّبي عند غيرهم‏.‏ وعند الحنابلة - غير أبي الخطّاب - لا ينفسخ النّكاح لأنّه لا نصّ فيه، ولا القياس يقتضيه‏.‏ وقد «سبى النّبيّ صلى الله عليه وسلم سبعين من الكفّار يوم بدر فَمَنَّ على بَعْضِهم وفادى بعضاً»‏.‏ ولم يحكم عليهم بفسخ أنكحتهم، ولأنّنا إذا لم نحكم بفسخ النّكاح فيما إذا سبيا معاً مع الاستيلاء على محلّ حقّه، فلأن لا ينفسخ نكاحه مع عدم الاستيلاء أولى‏.‏

‏(‏ر‏:‏ نكاح‏)‏‏.‏

الزّواج بالمسبيّة

27 - السّبايا من النّساء يعتبرن من الغنائم إلى أن تتمّ قسمة الغنيمة، فإذا قسّمت بين الغانمين فكلّ من وقع في سهمه سبيّة ملكها وصارت أمةً له، ويحلّ له وطؤها بملك اليمين بعد استبرائها لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏}‏‏.‏

وقد نزلت في سبايا أوطاس على ما روى أبو سعيد الخدريّ‏.‏

أمّا حلّ نكاحها فهو محلّ اختلاف الفقهاء في جواز نكاح الأمة، وما يشترط في ذلك، وقد سبق تفصيل القول في ذلك في بحث‏:‏ ‏(‏رقّ‏:‏ ف /74 وما بعدها‏)‏‏.‏

سبيكة

التّعريف

1 - السّبيكة القطعة المستطيلة من الذّهب، والجمع سبائك، وربّما أطلقت على كلّ قطعة متطاولة من أيّ معدن كان، وربّما أطلقت على القطعة المذوبة من المعدن ولو لم تكن متطاولةً، وهي مأخوذة من سبكت الذّهب أو الفضّة سبكاً من باب قتل إذا أذبته وخلّصته من خبثه‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

التّبر‏:‏

2 - من معاني التّبر في اللّغة ما كان من الذّهب غير مضروب، فإذا ضرب دنانير فهو عين، ولا يقال تبر إلاّ للذّهب‏.‏ وبعضهم يقوله للفضّة أيضاً‏.‏

وقد يطلق التّبر على غير الذّهب والفضّة من المعادن‏.‏

وعرّفه الشّافعيّة بأنّه اسم للذّهب والفضّة قبل ضربهما، أو للذّهب فقط، وهو تعريف للمالكيّة‏.‏

تراب الصّاغة‏:‏

3 - عرّفه المالكيّة بأنّه هو الرّماد الّذي يوجد في حوانيت الصّاغة ولا يدرى ما فيه‏.‏

انظر مصطلح‏:‏ ‏(‏تراب الصّاغة‏:‏ ف 1 / 11 / 145‏)‏‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالسّبائك

أ - الزّكاة في سبائك الذّهب والفضّة‏:‏

4 - الزّكاة واجبة في الذّهب والفضّة ولا فرق في ذلك بين أن يكونا مضروبين أو غير مضروبين إذا بلغ كلّ منهما نصاباً، وحال عليه الحول‏.‏ والتّفصيل في مصطلح ‏(‏زكاة‏)‏‏.‏ وأمّا السّبائك المستخرجة من الأرض فالزّكاة واجبة فيها أيضاص، وفي مقدار الواجب إخراجه منها خلاف في كونه الخمس أو ربع العشر‏.‏ انظر‏:‏ ‏(‏ركاز، ومعدن، وزكاة‏)‏‏.‏

ب - تحريم الرّبا في سبائك الذّهب والفضّة‏:‏

5 - أجمع العلماء على أنّ بيع الذّهب بالذّهب والفضّة بالفضّة لا يجوز إلاّ مثلاً بمثل، يداً بيد، لما رواه مالك عن نافع عن أبي سعيد الخدريّ أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «لا تبيعوا الذّهب بالذّهب إلاّ مثلاً بمثل، ولا تشفّوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلاّ مثلاً بمثل، ولا تشفّوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائباً بناجز»‏.‏

ولا فرق في ذلك بين المصوغ منهما وغيره‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏رباً‏)‏‏.‏

ج - جعل السّبيكة رأس مال في الشّركة‏:‏

6 - ذهب جمهور الفقهاء ‏"‏ المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة والرّاجح عند الحنفيّة ‏"‏ إلى أنّه لا يجوز أن يكون رأس مال الشّركة سبائك‏.‏

ويجوز عند بعض الحنفيّة جعل السّبائك رأس مال في شركة المفاوضة إن جرى التّعامل بها، فينزل التّعامل حينئذ منزلة الضّرب، فيكون ثمناً، ويصلح أن يكون رأس مال‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏شركة‏)‏‏.‏

أمّا التّبر والحليّ والسّبائك فأطلقوا منع الشّركة فيها، ويجوز أن يبنى على أنّ التّبر مثليّ أم لا ‏؟‏ وفيه خلاف‏.‏

د - قطع يد سارق السّبيكة‏:‏

7 - تقطع يد السّارق إذا كان مكلّفاً، وأخذ مالًا خلسةً لا شبهة له فيه، وأخرجه من حرزه، وبلغ ذلك المال نصاباً‏.‏

والقول الرّاجح في قدر ذلك النّصاب هو ربع دينار، وفي الاعتبار بذلك بالذّهب المضروب أو بغيره خلاف‏.‏

فعلى القول بأنّ الاعتبار بالذّهب المضروب فإنّه لا قطع بسرقة سبيكة أو حليّ لا تبلغ قيمتهما ربع دينار على وجه عند الشّافعيّة‏.‏ والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏سرقة‏)‏‏.‏

سبيل اللّه

التّعريف

1 - السّبيل هو الطّريق، يذكّر ويؤنّث‏.‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي‏}‏‏.‏

وسبيل اللّه في أصل الوضع هو‏:‏ الطّريق الموصّلة إليه تعالى، فيدخل فيه كلّ سعي في طاعة اللّه، وفي سبيل الخير‏.‏ وفي الاصطلاح هو الجهاد‏.‏

الحكم التّكليفيّ

2 - قال جمهور الفقهاء وعامّة المفسّرين‏:‏ سبيل اللّه وضعًا هو الطّريق الموصّلة إلى اللّه، ويشمل جميع القرب إلى اللّه، إلاّ أنّه عند الإطلاق ينصرف إلى الجهاد لكثرة استعماله فيه في القرآن، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا‏}‏‏.‏

وما في القرآن من ذكر ‏"‏ سبيل اللّه ‏"‏ إنّما أريد به الجهاد إلاّ اليسير منه فيحمل عليه‏.‏

ولأنّ الجهاد هو سبب الشّهادة الموصّلة إلى اللّه، ‏"‏ وسبيل اللّه ‏"‏ في مصارف الزّكاة يعطى للغزاة المتطوّعين الّذين ليس لهم سهم في ديوان الجند لفضلهم على غيرهم، لأنّهم جاهدوا من غير أرزاق مرتّبة لهم‏.‏ فيعطون ما يشترون به الدّوابّ والسّلاح، وما ينفقون به على العدوّ إن كانوا أغنياء، وبهذا قال مالك والشّافعيّ وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وأبو ثور وأبو عبيد وابن المنذر، واحتجّوا بما روى أبو سعيد الخدريّ رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا تحلّ الصّدقة لغنيّ إلاّ لخمسة‏:‏ لعامل عليها، أو رجل اشتراها بماله، أو غارم، أو غاز في سبيل اللّه، أو مسكين تصدّق عليه منها فأهدى منها لغنيّ»‏.‏

وقالوا‏:‏ ولأنّ اللّه تعالى جعل الفقراء والمساكين صنفين، وعدّ بعدهما ستّة أصناف فلا يلزم وجود صفة الصّنفين في بقيّة الأصناف كما لا يلزم صفة الأصناف فيهما‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ لا تدفع إلاّ لمن كان محتاجاً إليها، وذلك لحديث ابن عبّاس في قصّة بعث الرّسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل إلى اليمن وفيه‏:‏ «أخبرهم أنّ اللّه قد فرض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم»‏.‏

فقد جعل النّاس قسمين‏:‏ قسماً يؤخذ منهم، وقسماً يصرف إليهم، فلو جاز صرف الصّدقة إلى الغنيّ لبطل القسمة، وهذا لا يجوز‏.‏

وقال محمّد بن الحسن‏:‏ المراد من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَ فِي سَبِيلِ اللّهِ‏}‏ الحاجّ المنقطع، لما روي «أنّ رجلاً جعل بعيراً له في سبيل اللّه فأمره النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ أن يحمل عليه الحجّاج» وروي أيضاً «أنّ رجلاً جعل جملاً له في سبيل اللّه فأرادت امرأته الحجّ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ فهلاّ خرجت عليه، فإنّ الحجّ في سبيل اللّه»‏.‏ وعن«أبي طليق‏:‏ قال‏:‏ طلبت منّي أمّ طليق جملاً تحجّ عليه فقلت‏:‏ قد جعلته في سبيل اللّه، فسألت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ صدقت، لو أعطيتها كان في سبيل اللّه»‏.‏ ويؤثر عن أحمد وإسحاق أنّهما قالا‏:‏ سبيل اللّه‏:‏ الحجّ، وقال ابن عمر رضي الله عنهما‏:‏ سبيل اللّه الحجّاج والعمّار‏.‏

وقال بعض الحنفيّة‏:‏ سبيل اللّه طلبة العلم‏.‏

وقال الفخر الرّازيّ في تفسيره‏:‏ ظاهر اللّفظ في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَ فِي سَبِيلِ اللّهِ‏}‏ لا يوجب القصر على الغزاة، فلهذا نقل القفّال في تفسيره عن بعض الفقهاء أنّهم أجازوا صرف الصّدقات إلى جميع وجوه الخير من تكفين الموتى، وبناء الحصون، وعمارة المساجد، لأنّ سبيل اللّه عامّ في الكلّ‏.‏وتفصيل الكلام عن مصرف سبيل اللّه في ‏(‏زكاة‏:‏ ف /172‏)‏‏.‏

ستر

التّعريف

1 - السّتر لغةً‏:‏ تغطية الشّيء، وستر الشّيء يستره ستراً أي أخفاه، وتستّر أي تغطّى، وفي الحديث‏:‏ «إنّ اللّه حييّ ستّير يحبّ الحياء والسّتر»‏.‏ أي من شأنه وإرادته حبّ السّتر والصّون لعباده‏.‏ ويقال‏:‏ رجل ستور وستّير، أي عفيف‏.‏

والسّتر ما يستتر به، والاستتار‏:‏ الاختفاء، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ‏}‏والسّترة ما استترت به من شيء كائناً ما كان‏.‏ ولا يخرج معناه الاصطلاحيّ عن معناه اللّغويّ‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالسّتر

أ - ستر عيوب المؤمن‏:‏

2 - أجمع العلماء على أنّ من اطّلع على عيب أو ذنب أو فجور لمؤمن من ذوي الهيئات أو نحوهم ممّن لم يعرف بالشّرّ والأذى ولم يشتهر بالفساد، ولم يكن داعياً إليه، كأن يشرب مسكراً أو يزني أو يفجر متخوّفاً متخفّياً غير متهتّك ولا مجاهر يندب له أن يستره، ولا يكشفه للعامّة أو الخاصّة، ولا للحاكم أو غير الحاكم، للأحاديث الكثيرة الّتي وردت في الحثّ على ستر عورة المسلم والحذر من تتبّع زلّاته، ومن هذه الأحاديث‏:‏ قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من ستر مسلماً ستره اللّه يوم القيامة» وفي رواية «ستره اللّه في الدّنيا والآخرة» وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم»‏.‏

وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من ستر عورة أخيه المسلم ستر اللّه عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف اللّه عورته حتّى يفضحه بها في بيته»‏.‏

ولأنّ كشف هذه العورات، والعيوب والتّحدّث بما وقع منه قد يؤدّي إلى غيبة محرّمة وإشاعة للفاحشة‏.‏

قال بعض العلماء‏:‏ اجتهد أن تستر العصاة، فإنّ ظهور معاصيهم عيب في أهل الإسلام، وأولى الأمور ستر العيوب‏.‏

قال الفضيل بن عياض‏:‏ المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعيّر‏.‏

أمّا من عرف بالأذى والفساد والمجاهرة بالفسق وعدم المبالاة بما يرتكب، ولا يكترث لما يقال عنه فيندب كشف حاله للنّاس وإشاعة أمره بينهم حتّى يتوقّوه ويحذروا شرّه، بل ترفع قصّته إلى وليّ الأمر إن لم يخف مفسدةً أكبر، لأنّ السّتر على هذا يطمعه في الإيذاء والفساد وانتهاك الحرمات وجسارة غيره على مثل فعله‏.‏

فإن اشتدّ فسقه ولم يرتدع من النّاس فيجب أن لا يستر عليه بل يرفع إلى وليّ الأمر حتّى يؤدّبه ويقيم عليه ما يترتّب على فساده شرعاً من حدّ أو تعزير ما لم يخش مفسدةً أكبر‏.‏ وهذا كلّه في ستر معصية وقعت في الماضي وانقضت‏.‏

أمّا المعصية الّتي رآه عليها وهو متلبّس بها فتجب المبادرة بإنكارها ومنعه منها على من قدر على ذلك، فلا يحلّ تأخيره ولا السّكوت عنها، فإن عجز لزمه رفعها إلى وليّ الأمر إذا يترتّب على ذلك مفسدة أكبر، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان»‏.‏

ومن هذا الباب قول العلماء‏:‏ إنّه لا ينبغي لأحد أن يتجسّس على أحد من المسلمين أو يتتبّع عوراته لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تَجَسَّسُوا‏}‏ الآية‏.‏ ولما ورد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم من النّهي عن التّجسّس والتّحسّس على عورات المسلمين‏.‏

إلاّ أنّهم استثنوا من ذلك ما يتعلّق بجرح الرّواة، والشّهود، والأمناء على الصّدقات، والأوقاف، والأيتام، ونحوهم، فيجب جرحهم عند الحاجة، ولا يحلّ السّتر عليهم إذا رأى منهم ما يقدح في أهليّتهم، وليس هذا من الغيبة المحرّمة، بل هو من النّصيحة الواجبة بإجماع العلماء‏.‏

كما أجمعوا على أنّه لو رفع من يندب السّتر عليه إلى السّلطان فلا إثم في ذلك، ولكنّ السّتر عليه أولى‏.‏

ستر المؤمن على نفسه

3 - يندب للمسلم إذا وقعت منه هفوة أو زلّة أن يستر على نفسه ويتوب بينه وبين اللّه عزّ وجلّ وأن لا يرفع أمره إلى السّلطان، ولا يكشفه لأحد كائناً ما كان، لأنّ هذا من إشاعة الفاحشة الّتي توعّد على فاعلها بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ‏}‏ ولأنّه هتك لستر اللّه سبحانه وتعالى، ومجاهرة بالمعصية‏.‏ قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم «اجتنبوا هذه القاذورة، فمن ألمّ فليستتر بستر اللّه وليتب إلى اللّه، فإنّ من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب اللّه»‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «كلّ أمّتي معافىً إلاّ المجاهرين، وإنّ من المجاهرة أن يعمل الرّجل باللّيل عملاً ثمّ يصبح وقد ستره اللّه فيقول‏:‏ يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربّه ويصبح يكشف ستر اللّه عليه»‏.‏

ستر السّلطان على العاصي

4 - يندب لوليّ الأمر إذا رفع العاصي أمره إليه ممّا فيه حدّ أو تعزير في شيء من حقوق اللّه تعالى معلناً توبته أن يتجاهله وأن لا يستفسره، بل يأمره بالسّتر على نفسه، ويأمر غيره بالسّتر عليه، ويحاول أن يصرفه عن الإقرار، ولا سيّما إذا كان معروفاً بالصّلاح والاستقامة أو كان مستور الحال‏.‏

لما رواه أنس رضي الله عنه قال‏:‏ «جاء رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول اللّه‏:‏ أصبت حدّاً، فأقمه عليّ قال‏:‏ وحضرت الصّلاة فصلّى مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فلمّا قضى الصّلاة قال‏:‏ يا رسول اللّه إنّي أصبت حدّاً فأقم في كتاب اللّه قال‏:‏ هل حضرت الصّلاة معنا ‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏:‏ قال‏:‏ قد غفر لك»‏.‏

ستر المظلوم عن الظّالم

5 - قال العلماء‏:‏ إنّه يجب على المسلم أن يستر أخاه المسلم إذا سأله عنه إنسان ظالم يريد قتله أو أخذ ماله ظلماً، وكذا لو كان عنده أو عند غيره وديعة وسأل عنها ظالم يريد أخذها يجب عليه سترها وإخفاؤها، ويجب عليه الكذب بإخفاء ذلك، ولو استحلفه عليها لزمه أن يحلف، ولكنّ الأحوط في هذا كلّه أن يورّي، ولو ترك التّورية وأطلق عبارة الكذب فليس بحرام في هذه الحال واستدلّوا بجواز الكذب في هذه الحال بحديث أمّ كلثوم رضي الله عنها‏:‏ أنّها سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «ليس الكذّاب الّذي يصلح بين النّاس فينمي خيراً أو يقول خيراً»‏.‏

ستر الأسرار

6 - يندب للمسلم أن يستر أسرار إخوانه الّتي علم بها، وأن لا يفشيها لأحد كائناً ما كان، حتّى وإن لم يطلب منه ذلك لأنّ إفشاء السّرّ يعتبر خيانةً للأمانة، ويستدلّ لهذا بأدلّة منها‏:‏ أ - قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً‏}‏‏.‏

ب - وقول أبي بكر رضي الله عنه لعمر رضي الله عنه‏:‏ «لعلّك وجدت عليّ حين عرضت عليّ حفصة فلم أرجع إليك شيئاً، قال عمر‏:‏ فقلت‏:‏ نعم، قال‏:‏ فإنّه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت عليّ إلاّ أنّي كنت علمت أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سرّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ولو تركها النّبيّ صلى الله عليه وسلم لقبلتها»‏.‏

ج - وعن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ «أتى عليّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الغلمان، فسلّم علينا، فبعثني في حاجة فأبطأت على أمّي فلمّا جئت قالت‏:‏ ما حبسك ‏؟‏ قلت‏:‏ بعثني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لحاجة‏.‏ قالت‏:‏ ما حاجته ‏؟‏ قلت‏:‏ إنّها سرّ‏.‏ قالت‏:‏ لا تحدّثنّ بسرّ رسول اللّه أحداً»‏.‏

د - وقول السّيّدة فاطمة رضي الله عنها لأمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها «عندما سألتها ما قال لك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما كنت لأفشي على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سرّه»‏.‏

هـ - وقد جاء في الأثر‏:‏ «إذا حدّث الرّجل الحديث ثمّ التفت فهي أمانة»‏.‏

ويدخل في هذا الباب حفظ الأسرار الزّوجيّة، حيث يجب على كلّ واحد من الزّوجين أن يستر سرّ الآخر سواء كان ذلك تفاصيل ما يقع حال الجماع وقبله من مقدّماته أو غير ذلك من الأسرار البيتيّة‏.‏ لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ من أشرّ النّاس عند اللّه منزلةً يوم القيامة الرّجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثمّ ينشر سرّها»‏.‏

«ولأنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم أقبل على صفّ الرّجال بعد الصّلاة فقال لهم‏:‏ هل منكم إذا أتى على أهله أرخى بابه وأرخى ستره ثمّ يخرج فيحدّث فيقول‏:‏ فعلت بأهلي كذا وفعلت بأهلي كذا ‏؟‏ فسكتوا‏.‏ فأقبل على النّساء‏.‏ فقال‏:‏ هل منكنّ من تحدّث ‏؟‏ فقالت فتاة منهنّ‏:‏ واللّه إنّهم ليحدّثون وإنّهنّ ليحدّثن‏.‏ فقال‏:‏ هل تدرون ما مثل من فعل ذلك ‏؟‏ إنّ مثل من فعل ذلك مثل شيطان وشيطانة، لقي أحدهما صاحبه بالسّكّة قضى حاجته منها والنّاس ينظرون إليهما»‏.‏

ستر العورة

التّعريف

1 - السّتر لغةً‏:‏ ما يستر به، وجمعه ستور، والسّترة - بضمّ السّين - مثله‏.‏

قال ابن فارس‏:‏ السّترة ما استترت به كائناً ما كان، والسّتارة مثله، وسترت الشّيء ستراً من باب قتل‏.‏

والعورة لغةً‏:‏ الخلل في الثّغر وفي غيره، قال الأزهريّ‏:‏ العورة في الثّغور وفي الحرب خلل يتخوّف منه القتل، والعورة كلّ مكمن للسّتر، وعورة الرّجل والمرأة سوأتهما‏.‏

ويقول الفقهاء‏:‏ ما يحرم كشفه من الرّجل والمرأة فهو عورة‏.‏

وفي المصباح‏:‏ كلّ شيء يستره الإنسان أنفةً وحياءً فهو عورة‏.‏

وستر العورة في اصطلاح الفقهاء هو‏:‏ تغطية الإنسان ما يقبح ظهوره ويستحى منه، ذكراً كان أو أنثى أو خنثى على ما سيأتي تفصيله‏.‏

ما يتعلّق بستر العورة من أحكام

أوّلاً‏:‏ ستر العورة عمّن لا يحلّ له النّظر

2 -اتّفق الفقهاء على أنّ ستر العورة من الرّجل والمرأة واجب عمّن لا يحلّ له النّظر إليها‏.‏ وما يجب ستره في الجملة بالنّسبة للمرأة جميع جسدها عدا الوجه والكفّين، وهذا بالنّسبة للأجنبيّ‏.‏

أمّا بالنّسبة لمحارمها من الرّجال فعورتها عند المالكيّة والحنابلة ما عدا الوجه والأطراف ‏"‏ الرّأس والعنق ‏"‏‏.‏ وضبط الحنابلة ذلك بأنّه ما يستتر غالباً وهو ما عدا الوجه والرّأس والرّقبة واليدين والقدمين والسّاقين‏.‏ وقال الحنفيّة‏:‏ ما عدا الصّدر أيضاً‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ ما بين السّرّة والرّكبة، كما أنّ عورة المرأة الّتي يجب سترها بالنّسبة لغيرها من النّساء هي ما بين السّرّة والرّكبة‏.‏

أمّا عورة الرّجل فهي ما بين السّرّة والرّكبة‏.‏

وفي كلّ ذلك تفصيل ينظر في مصطلح ‏(‏عورة‏)‏‏.‏

والدّليل على وجوب ستر العورة قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ، وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا‏}‏‏.‏

وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم «لأسماء بنت أبي بكر‏:‏ يا أسماء إنّ المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلاّ هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفّيه»، وورد «عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالنّسبة لعورة الرّجال أنّها ما بين السّرّة إلى الرّكبة»‏.‏

3 - ويشترط في السّاتر أن لا يكون رقيقاً يصف ما تحته بل يكون كثيفاً لا يرى منه لون البشرة ويشترط كذلك أن لا يكون مهلهلاً ترى منه أجزاء الجسم لأنّ مقصود السّتر لا يحصل بذلك‏.‏

ومن المعلوم أنّ ستر العورة غير واجب بين الرّجل وزوجته، إذ كشف العورة مباح بينهما، فقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «احفظ عورتك إلاّ من زوجتك أو ما ملكت يمينك»‏.‏

4 - والصّغيرة إن كانت كبنت سبع سنين إلى تسع فعورتها الّتي يجب سترها هي ما بين السّرّة والرّكبة، وإن كانت أقلّ من سبع سنين فلا حكم لعورتها - وهذا كما يقول الحنابلة - وينظر تفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏عورة‏)‏‏.‏

والمراهق الّذي يميّز بين العورة وغيرها يجب على المرأة أن تستر عورتها عنه، أمّا إن كان لا يميّز بين العورة وغيرها فلا بأس من إبداء مواضع الزّينة أمامه‏.‏

لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء‏}‏‏.‏

ويستثنى من وجوب ستر العورة ما كان لضرورة، كعلاج وشهادة، جاء في الشّرح الصّغير‏:‏ يجب ستر العورة عمّن يحرم النّظر إليها من غير الزّوجة والأمة إلاّ لضرورة فلا يحرم بل قد يجب، وإذا كشف للضّرورة كالطّبيب يبقر له ثوب على قدر موضع العلّة‏.‏

ستر العورة في الصّلاة

5 - ستر العورة شرط من شروط صحّة الصّلاة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏ والآية إن كانت نزلت بسبب خاصّ فالعبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب، قال ابن عبّاس رضي الله عنهما‏:‏ المراد بالزّينة في الآية‏:‏ الثّياب في الصّلاة، ولقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يقبل اللّه صلاة حائض إلاّ بخمار»‏.‏

وقد أجمع الفقهاء على فساد صلاة من ترك ثوبه وهو قادر على الاستتار به وصلّى عرياناً‏.‏ ويشترط في السّاتر أنّه يمنع إدراك لون البشرة‏.‏

ومن لم يجد إلاّ ثوباً نجساً أو ثوباً من الحرير صلّى به ولا يصلّي عرياناً، لأنّ فرض السّتر أقوى من منع النّجس والحرير في هذه الحالة‏.‏

على خلاف وتفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏صلاة‏)‏‏.‏

هذا ويختلف الفقهاء في تحديد العورة الواجب سترها في الصّلاة‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في ‏(‏عورة‏)‏‏.‏

ثانياً‏:‏ ستر العورة في الخلوة

6 - كما يجب ستر العورة عن أعين النّاس يجب كذلك سترها ولو كان الإنسان في خلوة، أي في مكان خال من النّاس‏.‏ والقول بالوجوب هو مذهب الحنفيّة على الصّحيح، وهو مذهب الشّافعيّة والحنابلة، وقال المالكيّة‏:‏ يندب ستر العورة في الخلوة‏.‏

والسّتر في الخلوة مطلوب حياءً من اللّه تعالى وملائكته، والقائلون بالوجوب قالوا‏:‏ إنّما وجب لإطلاق الأمر بالسّتر، ولأنّ اللّه تعالى أحقّ أن يستحيا منه، وفي حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه «قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول اللّه، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ‏؟‏ قال‏:‏ احفظ عورتك إلاّ من زوجتك أو ممّا ملكت يمينك، فقال‏:‏ الرّجل يكون مع الرّجل ‏؟‏ قال‏:‏ إن استطعت أن لا يراها أحد فافعل، قلت‏:‏ والرّجل يكون خالياً ‏؟‏ قال‏:‏ فاللّه أحقّ أن يستحيا منه»‏.‏ والسّتر في الخلوة مطلوب إلاّ لحاجة، كاغتسال وتبرّد ونحوه‏.‏

سترة المصلّي

التّعريف

1 - السّترة بالضّمّ مأخوذة من السّتر، وهي في اللّغة ما استترت به من شيء كائناً ما كان، وكذا السّتار والسّتارة، والجمع‏:‏ السّتائر والسّتر، ويقال‏:‏ ستره سَتْراً وسَتَراً‏:‏ أخفاه‏.‏ وسترة المصلّي في الاصطلاح‏:‏ هي ما يغرز أو ينصب أمام المصلّي من عصا أو غير ذلك، أو ما يجعله المصلّي أمامه لمنع المارّين بين يديه‏.‏

وعرّفها البهوتيّ‏:‏ بأنّها ما يستتر به من جدار أو شيء شاخص‏.‏‏.‏‏.‏ أو غير ذلك يصلّى إليه‏.‏ وجميع هذه التّعريفات متقاربة‏.‏

الحكم التّكليفيّ

2 - يسنّ للمصلّي إذا كان فذّاً ‏"‏ منفرداً ‏"‏ أو إماماً أن يتّخذ أمامه سترةً تمنع المرور بين يديه، وتمكّنه من الخشوع في أفعال الصّلاة، وذلك لما ورد عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إذا صلّى أحدكم فليصلّ إلى سترة، وليدن منها، ولا يدع أحداً يمرّ بين يديه»‏.‏ ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ليستتر أحدكم في صلاته ولو بسهم»، وهذا يشمل السّفر والحضر، كما يشمل الفرض والنّفل‏.‏

والمقصود منها كفّ بصر المصلّي عمّا وراءها، وجمع الخاطر بربط خياله كي لا ينتشر، ومنع المارّ كي لا يرتكب الإثم بالمرور بين يديه‏.‏

والأمر في الحديث للاستحباب لا للوجوب، قال ابن عابدين‏:‏ صرّح في المنية بكراهة تركها، وهي تنزيهيّة، والصّارف للأمر عن حقيقته ما رواه أبو داود عن الفضل بن العبّاس رضي الله عنهما‏:‏ قال «أتانا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية لنا فصلّى في صحراء ليس بين يديه سترة»‏.‏

ومثله ما ذكره الحنابلة قال البهوتيّ‏:‏ وليس ذلك بواجب لحديث ابن عبّاس رضي الله عنهما «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلّى في فضاء ليس بين يديه شيء» هذا، ويستحبّ ذلك عند الحنفيّة والمالكيّة في المشهور، للإمام والمنفرد إذا ظنّ مروراً بين يديه، وإلاّ فلا تسنّ السّترة لهما‏.‏ ونقل عن مالك الأمر بها مطلقاً، وبه قال ابن حبيب واختاره اللّخميّ‏.‏

أمّا الشّافعيّة فأطلقوا القول بأنّها سنّة، ولم يذكروا قيداً‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ تسنّ السّترة للإمام والمنفرد ولو لم يخش مارّاً‏.‏

أمّا المأموم فلا يستحبّ له اتّخاذ السّترة اتّفاقاً، لأنّ سترة الإمام سترة لمن خلفه، أو لأنّ الإمام سترة له، على اختلاف عند الفقهاء‏.‏ وسيأتي تفصيله‏.‏

ما يجعل سترةً

3 - اتّفق الفقهاء على أنّه يصحّ أن يستتر المصلّي بكلّ ما انتصب من الأشياء كالجدار والشّجر والأسطوانة والعمود، أو بما غرز كالعصا والرّمح والسّهم وما شاكلها، وينبغي أن يكون ثابتًا غير شاغل للمصلّي عن الخشوع‏.‏

واستثنى المالكيّة الاستتار بحجر واحد وقالوا‏:‏ يكره به مع وجود غيره لشبهه بعبادة الصّنم، فإن لم يجد غيره جاز، كما يجوز بأكثر من واحد‏.‏

أمّا الاستتار بالآدميّ أو الدّابّة أو الخطّ أو نحوها فللفقهاء في ذلك تفصيل وخلاف، وبيانه فيما يلي‏:‏

أ - الاستتار بالآدميّ‏:‏

4 - ذهب جمهور الفقهاء‏:‏ الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة، وهو قول عند الشّافعيّة إلى صحّة الاستتار بالآدميّ في الصّلاة، وذلك في الجملة، لكنّهم اختلفوا في التّفاصيل‏.‏

فقال الحنفيّة والمالكيّة‏:‏ يصحّ أن يستتر بظهر كلّ رجل قائم أو قاعد، لا بوجهه، ولا بنائم، ومنعوا الاستتار بالمرأة غير المحرم‏.‏

أمّا ظهر المرأة المحرم فاختلف الحنفيّة في جواز الاستتار به، كما ذكر المالكيّة فيه قولين أرجحهما عند المتأخّرين الجواز‏.‏

والأوجه عند الشّافعيّة عدم الاكتفاء بالسّترة بالآدميّ، ولهذا قرّروا أنّ بعض الصّفوف - لا يكون سترةً لبعض آخر‏.‏

وفصّل بعضهم فقالوا‏:‏ لو كانت السّترة آدميّاً أو بهيمةً ولم يحصل بسبب ذلك اشتغال ينافي خشوعه فقيل يكفي، وإن حصل له الاشتغال لا يعتدّ بتلك السّترة‏.‏

أمّا الحنابلة فقد أطلقوا جواز الاستتار بآدميّ غير كافر‏.‏

وأمّا الصّلاة إلى وجه الإنسان فتكره عند الجميع، لما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يصلّي وسط السّرير وأنا مضطجعة بينه وبين القبلة، تكون لي الحاجة فأكره أن أقوم فأستقبله، فأنسلّ انسلالاً»‏.‏

وروي أنّ عمر رضي الله عنه أدّب على ذلك‏.‏

ب - الاستتار بالدّابّة‏:‏

5 - ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى جواز الاستتار بالدّابّة مطلقاً، قال المقدسيّ في الشّرح الكبير على المقنع‏:‏ لا بأس أن يستتر ببعير أو حيوان، فعله ابن عمر وأنس رضي الله تعالى عنهما، لما روى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلّى إلى بعير»‏.‏

ومنع المالكيّة الاستتار بالدّابّة، إمّا لنجاسة فضلتها كالبغل والحمار ونحوهما، وإمّا لعدم ثباتها كالشّاة، وإمّا لكلتا العلّتين كالفرس‏.‏

وقالوا‏:‏ إن كانت فضلتها طاهرةً وربطت جاز الاستتار بها‏.‏

أمّا الشّافعيّة فالأوجه عندهم أنّه لا يجوز الاستتار بالدّابّة كما لا يجوز بالإنسان‏.‏

ولأنّه لا يؤمن أن يشتغل به فيتغافل عن صلاته‏.‏ وفي قول عندهم‏:‏ يجوز الاستتار بالبهيمة‏.‏

قال محمّد الرّمليّ‏:‏ أمّا الدّابّة ففي الصّحيحين أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يفعله، وكأنّه لم يبلغ الشّافعيّ، ويتعيّن العمل به، وحمل بعضهم المنع على غير البعير‏.‏

ج - التّستّر بالخطّ‏:‏

6 - إن لم يجد المصلّي ما ينصبه أمامه فليخطّ خطّاً، وهذا عند جمهور الفقهاء‏:‏ ‏(‏الشّافعيّة والحنابلة، والرّاجح عند متأخّري الحنفيّة‏)‏ لما ورد أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إذا صلّى أحدكم فليجعل تلقاء وجه شيئاً فإن لم يجد فلينصب عصا، فإن لم يكن معه عصا فليخطّ خطّاً، ثمّ لا يضرّه ما مرّ أمامه»‏.‏

ولأنّ المقصود جمع الخاطر بربط الخيال كي لا ينتشر، وهو يحصل بالخطّ‏.‏

ورجّح الكمال بن الهمام من الحنفيّة صحّة التّستّر بالخطّ وقال‏:‏ لأنّ السّنّة أولى بالاتّباع‏.‏ وقاس الحنفيّة والشّافعيّة على الخطّ المصلّى، كسجّادة مفروشة، قال الطّحطاويّ‏:‏ وهو قياس أولى، لأنّ المصلّى أبلغ في دفع المارّ من الخطّ‏.‏

ولهذا قدّم الشّافعيّة المصلّى على الخطّ وقالوا‏:‏ قدّم على الخطّ لأنّه أظهر في المراد‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ لا يصحّ التّستّر بخطّ يخطّه في الأرض، وهذا قول متقدّمي الحنفيّة أيضاً واختاره في الهداية، لأنّه لا يحصل به المقصود، إذ لا يظهر من بعيد‏.‏

التّرتيب فيما يجعل سترةً

7 - ذكر الشّافعيّة لاتّخاذ السّترة أربع مراتب وقالوا‏:‏ لو عدل إلى مرتبة وهو قادر على ما قبلها لم تحصل سنّة الاستتار‏.‏ فيسنّ عندهم أوّلاً التّستّر بجدار أو سارية، ثمّ إذا عجز عنها فإلى نحو عصا مغروزة، وعند عجزه عنها يبسط مصلّى كسجّادة، وإذا عجز عنها يخطّ قبالته خطّاً طولاً، وذلك أخذاً بنصّ الحديث الّذي رواه أبو داود عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إذا صلّى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً فإن لم يجد فلينصب عصاً، فإن لم يكن معه عصا فليخطّ خطّاً، ثمّ لا يضرّه ما مرّ أمامه» وقالوا‏:‏ المراد بالعجز عدم السّهولة‏.‏

وهذا هو المفهوم من كلام الحنفيّة والحنابلة أيضاً وإن لم يصرّحوا بالمراتب‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ المفهوم من كلامهم أنّه عند إمكان الغرز لا يكفي الوضع، وعند إمكان الوضع لا يكفي الخطّ‏.‏

وعبارة الحنابلة تفيد ذلك حيث قالوا‏:‏ فإن لم يجد شاخصاً وتعذّر غرز عصا ونحوها، وضعها بالأرض، ويكفي خيط ونحوه‏.‏‏.‏ فإن لم يجد خطّ خطّاً‏.‏

أمّا المالكيّة فقد تقدّم أنّهم لا يجيزون الخطّ‏.‏

مقدار السّترة وصفتها

8 - يرى الحنفيّة والمالكيّة أنّه إذا صلّى في الصّحراء أو فيما يخشى المرور بين يديه يستحبّ له أن يغرز سترةً بطول ذراع فصاعداً‏.‏

قال الحنفيّة‏:‏ في الاعتداد بأقلّ من الذّراع خلاف‏.‏ والمراد بالذّراع ذراع اليد، وهو شبران‏.‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ طول السّترة يكون ثلثي ذراع فأكثر تقريباً‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن كان في فضاء صلّى إلى سترة بين يديه مرتفعةً قدر ذراع فأقلّ‏.‏

والأصل في ذلك حديث طلحة بن عبيد اللّه رضي الله عنه مرفوعاً‏:‏ «إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخّرة الرّحل فليصلّ ولا يبال من مرّ وراء ذلك»‏.‏

ومؤخّرة الرّحل هي العود الّذي في آخر الرّحل يحاذي رأس الرّاكب على البعير‏.‏

قال الحنفيّة‏:‏ فسّرت بأنّها ذراع فما فوقه‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ تختلف، فتارةً تكون ذراعاً وتارةً تكون دونه‏.‏

وأمّا قدرها في الغلظ فلم يحدّده الشّافعيّة والحنابلة، فقد تكون غليظةً كالحائط والبعير، أو رقيقةً كالسّهم، لأنّه صلى الله عليه وسلم صلّى إلى حربة وإلى بعير‏.‏

أمّا الحنفيّة فقد صرّحوا في أكثر المتون بأن تكون السّترة بغلظ الأصبع، وذلك أدناه لأنّ ما دونه ربّما لا يظهر للنّاظر فلا يحصل المقصود منها‏.‏ لكن قال ابن عابدين‏:‏ جعل في البدائع بيان الغلظ قولاً ضعيفاً، وأنّه لا اعتبار بالعرض، وظاهره أنّه المذهب‏.‏ ويؤيّده ما ورد أنّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «يجزئ من السّترة قدر مؤخّرة الرّحل ولو بدقّة شعرة»‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يكون غلظها غلظ رمح على الأقلّ، فلا يكفي أدقّ منه، ونقل عن ابن حبيب أنّه قال‏:‏ لا بأس أن تكون السّترة دون مؤخّرة الرّحل في الطّول ودون الرّمح في الغلظ‏.‏

كيفيّة نصب أو وضع السّترة

9 - اتّفق الفقهاء على أنّه يستحبّ في السّترة أن تنصب أو تغرز أمام المصلّي، وتجعل على جهة أحد حاجبيه، وهذا إذا كان غرزها ممكناً، وإلاّ بأن كانت الأرض صلبةً مثلاً، فهل يكفي وضع السّترة أمام المصلّي طولاً أو عرضاً ‏؟‏

اختلف الفقهاء في ذلك‏:‏ فقال الحنفيّة‏:‏ يلقي ما معه من عصاً أو غيرها طولاً، كأنّه غرز ثمّ سقط، وهذا اختيار الفقيه أبي جعفر، واختار بعضهم أنّه لا يجزئ، وإن لم يجد ما ينصبه فليخطّ خطّاً بالعرض مثل الهلال، أو يجعله طولاً بمنزلة الخشبة المغروزة أمامه‏.‏ فيصير شبه ظلّ العصا، وهو اختيار المتأخّرين من الحنفيّة‏.‏

ومثله ما ذكره الشّافعيّة والحنابلة، يقول الخطيب الشّربينيّ‏:‏ إذا عجز عن غيره فليخطّ أمامه خطّاً طولاً‏.‏ وفي حاشية الجمل‏:‏ هذا هو الأكمل ويحصل أصل السّنّة بجعله عرضاً‏.‏ وعبارة الحنابلة‏:‏ إن تعذّر غرز عصاً ونحوها يكفي وضعها بالأرض‏.‏‏.‏ ووضعها عرضاً أعجب إلى أحمد من الطّول‏.‏

فإن لم يجد خطّ خطّاً كالهلال لا طولاً‏.‏ لكن نقل البهوتيّ عن الشّرح‏:‏ وكيفما خطّ أجزأه‏.‏

أمّا المالكيّة فاشترطوا أن تكون السّترة ثابتةً ولا يجيزون الخطّ أصلاً‏.‏

موقف المصلّي من السّترة

10 - يسنّ لمن أراد أن يصلّي إلى سترة أن يقرب منها نحو ثلاثة أذرع من قدميه ولا يزيد على ذلك‏.‏ لحديث سهل بن أبي حثمة مرفوعاً‏:‏ «إذا صلّى أحدكم إلى سترة فليدن منها، لا يقطع الشّيطان عليه صلاته»‏.‏ وعن سهل بن سعد قال‏:‏ «كان بين مصلّى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وبين الجدار ممرّ الشّاة»‏.‏ وورد «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلّى في الكعبة وبينه وبين الجدار ثلاثة أذرع»‏.‏ وهذا عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏

وهو المفهوم من كلام المالكيّة لأنّ الفاصل بين المصلّي والسّترة يكون بمقدار ما يحتاجه لقيامه وركوعه وسجوده، لأنّ الأرجح عندهم أنّ حريم المصلّي هو هذا المقدار، سواء أصلّى إلى سترة أم لا‏.‏

ويسنّ انحراف المصلّي عن السّترة يسيراً، بأن يجعلها على جهة أحد حاجبيه، ولا يصمد إليها صمدًا أي لا يقابلها مستوياً مستقيماً، لما روي عن المقداد رضي الله عنه أنّه قال‏:‏ «ما رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يصلّي إلى عود ولا عمود ولا شجرة إلاّ جعله على حاجبيه الأيمن أو الأيسر، ولا يصمد له صمداً»‏.‏

وهذا إذا كانت السّترة نحو عصا منصوبة أو حجر بخلاف الجدار العريض ونحوه، وبخلاف الصّلاة على السّجّادة، لأنّ الصّلاة تكون عليها لا إليها‏.‏

سترة الإمام سترة للمأمومين

11 - اتّفق الفقهاء على أنّ سترة الإمام تكفي المأمومين سواء أصلّوا خلفه أم بجانبيه‏.‏

فلا يستحبّ للمأموم أن يتّخذ سترةً‏.‏ وذلك لما ورد في الحديث «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلّى بالأبطح إلى عنزة ركزت له ولم يكن للقوم سترة»‏.‏

واختلفوا‏:‏ هل سترة الإمام سترة لمن خلفه، أو هي سترة له خاصّةً وهو سترة لمن خلفه، ففي أكثر كتب الحنفيّة والحنابلة أنّ سترة الإمام سترة لمن خلفه‏.‏

وذكر المالكيّة وبعض الحنابلة الخلاف في ذلك‏.‏ قال بعضهم‏:‏ الخلاف لفظيّ والمعنى واحد‏.‏ وقال آخرون‏:‏ الخلاف حقيقيّ وله ثمرة، فإن قلنا‏:‏ الإمام سترة لمن خلفه كما نقل عن مالك وغيره يمتنع المرور بين الإمام وبين الصّفّ الّذي خلفه كما يمنع المرور بينه وبين سترته، لأنّه مرور بين المصلّي وسترته فيهما، ويجوز المرور بين الصّفّ الّذي خلفه والصّفّ الّذي بعده لأنّه قد حال بينهما حائل وهو الصّفّ الأوّل، وإن قلنا‏:‏ إنّ سترة الإمام سترة لهم كما يقول عبد الوهّاب من المالكيّة وغيره فيجوز المرور بين الصّفّ الأوّل والإمام لوجود الحائل وهو الإمام‏.‏ قال الدّسوقيّ‏:‏ والحقّ أنّ الخلاف حقيقيّ والمعتمد قول مالك‏.‏

المرور بين المصلّي والسّترة

12 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ المرور وراء السّترة لا يضرّ، وأنّ المرور بين المصلّي وسترته منهيّ عنه، فيأثم المارّ بين يديه، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لو يعلم المارّ بين يدي المصلّي ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمرّ بين يديه»‏.‏ ويرى جمهور الفقهاء‏:‏ الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة‏:‏ أنّ المارّ بين يدي المصلّي آثم ولو لم يصلّ إلى سترة‏.‏ وذلك إذا مرّ قريباً منه، واختلفوا في حدّ القرب‏.‏

قال بعضهم‏:‏ ثلاثة أذرع فأقلّ‏.‏ أو ما يحتاج له في ركوعه وسجوده‏.‏

والصّحيح عند الحنابلة تحديد ذلك بما إذا مشى إليه ودفع المارّ بين يديه لا تبطل صلاته‏.‏ والأصحّ عند الحنفيّة أن يكون المرور من موضع قدمه إلى موضع سجوده، وقال بعضهم‏:‏ إنّه قدر ما يقع بصره على المارّ لو صلّى بخشوع، أي رامياً ببصره إلى موضع سجوده‏.‏ وقيّد المالكيّة الإثم بما إذا مرّ في حريم المصلّي من كانت له مندوحة أي سعة المرور بعيداً عن حريم المصلّي، وإلاّ فلا إثم، وكذا لو كان يصلّي بالمسجد الحرام فمرّ بين يديه من يطوف بالبيت وقالوا‏:‏ يأثم مصلّ تعرّض بصلاته من غير سترة في محلّ يظنّ به المرور، ومرّ بين يديه أحد‏.‏

ونقل ابن عابدين عن بعض الفقهاء أنّ هنا صوراً أربعاً‏:‏

الأولى‏:‏ أن يكون للمارّ مندوحة عن المرور بين يدي المصلّي ولم يتعرّض المصلّي لذلك فيختصّ المارّ بالإثم إن مرّ‏.‏

الثّانية‏:‏ أن يكون المصلّي تعرّض للمرور والمارّ ليس له مندوحة عن المرور، فيختصّ المصلّي بالإثم دون المارّ‏.‏

الثّالثة‏:‏ أن يتعرّض المصلّي للمرور ويكون للمارّ مندوحة، فيأثمان معاً، أمّا المصلّي فلتعرّضه، وأمّا المارّ فلمروره مع إمكان أن لا يفعل‏.‏

الرّابعة‏:‏ أن لا يتعرّض المصلّي ولا يكون للمارّ مندوحة، فلا يأثم واحد منهما‏.‏

ومثله ما ذكره بعض المالكيّة‏.‏

أمّا الشّافعيّة فقد صرّحوا بحرمة المرور بين يدي المصلّي إذا صلّى إلى سترة وإن لم يجد المارّ سبيلاً آخر، وهذا إذا لم يتعدّ المصلّي بصلاته في المكان، وإلاّ كأن وقف بقارعة الطّريق أو استتر بسترة في مكان مغصوب فلا حرمة ولا كراهة‏.‏

ولو صلّى بلا سترة، أو تباعد عنها، أو لم تكن السّترة بالصّفة المذكورة فلا يحرم المرور بين يديه، وليس له دفع المارّ لتعدّيه بصلاته في ذلك المكان‏.‏

هذا واستثنى الفقهاء من الإثم المرور بين يدي المصلّي للطّائف أو لسدّ فرجة في صفّ أو لغسل رعاف أو ما شاكل ذلك‏.‏

أثر المرور بين يدي المصلّي في قطع الصّلاة

13 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة إلى أنّ مرور شيء بين المصلّي والسّترة لا يقطع الصّلاة ولا يفسدها، أيّاً كان، ولو كان بالصّفة الّتي توجب الإثم على المارّ، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يقطع الصّلاة شيء وادرءوا ما استطعتم»‏.‏

وقال الحنابلة مثل ذلك، إلاّ أنّهم استثنوا الكلب الأسود البهيم فرأوا أنّه يقطع الصّلاة‏.‏

دفع المارّ بين المصلّي والسّترة

14 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ للمصلّي أن يدفع المارّ من إنسان أو بهيمة إذا مرّ بينه وبين سترته أو قريباً منه، لما ورد فيه من أحاديث منها‏.‏ ما رواه أبو سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال‏:‏ «قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ إذا صلّى أحدكم إلى شيء يستره من النّاس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله فإنّما هو شيطان»‏.‏

قال الصّنعانيّ‏:‏ أي فعله فعل الشّيطان في إرادة التّشويش على المصلّي، وقيل‏:‏ المراد بأنّ الحامل له على ذلك شيطان، ويدلّ على ذلك ما في رواية مسلم‏:‏ «فإنّ معه القرين» أي شيطان، والحديث دالّ بمفهومه على أنّه إذا لم يكن للمصلّي سترة فليس له دفع المارّ بين يديه‏.‏ ا هـ‏.‏ وهو كذلك عند الشّافعيّة‏.‏

15 - واتّفق الفقهاء على أنّ الدّفع ليس واجباً، وكأنّ الصّارف للحديث عن الوجوب شدّة منافاته مقصود الصّلاة من الخشوع والتّدبّر، وأيضاً للاختلاف في تحريم المرور كما وجّهه الشّربينيّ من الشّافعيّة‏.‏ ومثله ما في كتب الحنفيّة والمالكيّة‏.‏

ثمّ اختلفوا في أفضليّة الدّفع، فقال الحنفيّة‏:‏ رخّص للمصلّي الدّفع، والأولى ترك الدّفع لأنّ مبنى الصّلاة على السّكون والخشوع، والأمر بالدّرء لبيان الرّخصة، كالأمر بقتل الأسودين ‏(‏الحيّة والعقرب‏)‏ في الصّلاة‏.‏

وقريب من الحنفيّة مذهب المالكيّة حيث قالوا‏:‏ للمصلّي دفع ذلك المارّ بين يديه دفعاً خفيفاً لا يشغله‏.‏

أمّا الشّافعيّة فقالوا‏:‏ يسنّ ذلك للمصلّي إذا صلّى إلى سترة من جدار أو سارية أو عصا أو نحوها، لما ورد في حديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه المتقدّم نصّه‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ يستحبّ أن يردّ ما مرّ بين يديه من كبير وصغير وبهيمة، لما ورد «أنّه صلى الله عليه وسلم ردّ عمر بن أبي سلمة وزينب وهما صغيران»‏.‏

وفي حديث ابن عبّاس «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يصلّي فمرّت شاة بين يديه، فساعاها إلى القبلة حتّى ألزق بطنه بالقبلة»‏.‏

كيفيّة دفع المارّ بين يدي المصلّي والسّترة

16 - اختلفت عبارات الفقهاء في كيفيّة الدّفع وما ينشأ عنه من ضمان، واتّفقوا على أن يكون دفع بالتّدريج، ويراعى فيه الأسهل فالأسهل‏.‏

قال النّوويّ في المجموع‏:‏ مذهب الشّافعيّة استحباب التّسبيح للرّجل والتّصفيق للمرأة، وبه قال أحمد وأبو حنيفة، وقال مالك‏:‏ تسبّح المرأة أيضاً‏.‏ أ هـ‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ يدفعه بالإشارة أو التّسبيح، وكره الجمع بينهما، ويدفعه الرّجل برفع الصّوت بالقراءة، وتدفعه المرأة بالإشارة أو التّصفيق بظهر أصابع اليمنى على صفحة كفّ اليسرى ولا ترفع صوتها، لأنّه فتنة، ولا يقاتل المارّ، وما ورد فيه من الحديث مؤوّل بأنّه كان جواز مقاتلته في ابتداء الإسلام وقد نسخ‏.‏ ولا يجوز له المشي من موضعه ليردّه، وإنّما يدفعه ويردّه من موضعه، لأنّ مفسدة المشي أعظم من مروره بين يديه‏.‏

وقريب من الحنفيّة مذهب المالكيّة حيث قالوا‏:‏ للمصلّي دفع ذلك المارّ دفعاً خفيفاً لا يشغله عن الصّلاة‏.‏ فإن كثر أبطل صلاته‏.‏

ستّوقة

التّعريف

1 - السّتّوقة - بفتح السّين وضمّها مع تشديد التّاء -‏:‏ ما غلب عليه الغشّ من الدّراهم‏.‏ قال ابن عابدين نقلاً عن الفتح‏:‏ السّتّوقة هي المغشوشة غشّاً زائداً، وهي تعريب ‏"‏ سي توقه ‏"‏ أي ثلاث طبقات، طبقتا الوجهين فضّةً وما بينهما نحاس ونحوه‏.‏

وفي التتارخانية‏:‏ أنّ السّتّوقة هي ما يكون الطّاق الأعلى فضّةً والأسفل كذلك وبينهما صفر، وليس لها حكم الدّراهم‏.‏ والحنفيّة أكثر الفقهاء استعمالاً لهذا اللّفظ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الدّراهم الجياد‏:‏

2 - الدّراهم الجياد فضّة خالصة تروج في التّجارات وتوضع في بيت المال‏.‏

ب - الزّيوف‏:‏

3 - الزّيوف النّقود الرّديئة، يردّها بيت المال، ولكن يأخذها التّجّار‏.‏

وكذلك النّبهرج والبهرج‏:‏ الرّديء من الشّيء، ودرهم نبهرج أو بهرج أو مبهرج أي رديء الفضّة، وهو ما يردّه التّجّار، وقيل‏:‏ هو ما ضرب في غير دار السّلطان‏.‏ والزّيوف أجود، وبعدها النّبهرجة، وبعدهما السّتّوقة، وهي بمنزلة الزّغل الّتي نحاسها أكثر من فضّتها‏.‏

المعاملة بالسّتّوقة

4 - يرى المالكيّة على المذهب، والشّافعيّة على أصحّ الوجهين، والحنابلة على أظهر الرّوايتين جواز المعاملة بالدّراهم المغشوشة‏.‏ ويشترط المالكيّة لجواز بيع المغشوش أن يباع لمن يكسره أو لا يغشّ به بل يتصرّف به بوجه جائز، كتحلية أو تصفية، أو غير ذلك‏.‏ ويكره بيع المغشوش عندهم لمن لا يؤمن أن يغشّ به بأن شكّ في غشّه، ويفسخ بيعه ممّن يعلم أنّه يغشّ به، فيجب ردّه على بائعه‏.‏

وقال الشّافعيّة في الوجه الثّاني، والحنابلة في الرّواية الثّانية‏:‏ بتحريم المعاملة بالدّراهم المغشوشة، واحتجّوا بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من غشّنا فليس منّا» وبأنّ عمر رضي الله عنه نهى عن بيع نفاية بيت المال، ولأنّ المقصود فيه مجهول أشبه تراب الصّاغة‏.‏

وذهب أبو يوسف - وهو ما يفهم من قول مالك - إلى كراهة المعاملة بالسّتّوقة لأنّ المعاملة بها داعية إلى إدخال الغشّ على المسلمين، وقد كان عمر يفعل باللّبن أنّه إذا غشّ طرحه في الأرض أدباً لصاحبه، فإجازة المعاملة بالسّتّوقة إجازة لغشّ الدّراهم وإفساد لأسواق المسلمين‏.‏

وقال أبو يوسف‏:‏ ينبغي أن يعاقب صاحب الدّرهم السّتّوق إذا أنفقه وهو يعرفه‏.‏

وقال الكاسانيّ‏:‏ هذا الّذي ذكره - أبو يوسف - احتساب حسن في الشّريعة‏.‏

بيع السّتّوقة بالجياد

5 - لا يجوز بيع السّتّوقة بالجياد عند جمهور الفقهاء، ويجوز ذلك عند الحنفيّة إذا كانت الجياد أكثر من الفضّة في السّتّوقة‏.‏

ويرى المالكيّة على المذهب جواز بيع مغشوش بخالص‏.‏ أمّا على الأظهر فهم لا يجيزون بيع المغشوش بخالص كما هو مذهب الجمهور‏.‏ وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ صرف‏)‏‏.‏

أخذ السّتّوقة في الجزية

6 - صرّح الحنفيّة بأنّه يحرم على الإمام أخذ السّتّوقة في الجزية، لأنّ في ذلك تضييع حقّ بيت المال‏.‏